السبت، 31 أكتوبر 2009

سَليِبَـة الأمَـانْ ~


حينَماَ تسللَ الفجرْ استيقَظتْ كماَ تشتَهيِهاَ خُيوطُ البؤسْ ، تُرسلُ ابتسَاماتٍ خفيةَ ، راكعةً علىَ أعتاب الوهمْ

شاحِبةَ الملامِحْ ، متهدلةِ الأطراف ، منهكةُ الصوتْ ، وكأنها أمضت ليالِ تئنُ وتئنْ

تحكيْ حالَها بينَ أطرافِ سريرِهاَ ، تفتعلُ السرحَانْ ، تحنُ لشيءٍ ماَ ، تركنُ نفسهاَ بعيداً وتبتعدُ أميالا عنْ الواقِع


 


 

في نظرةٍ دامعَةْ لمحتْ ذاكَ المشهدُ الخجوُلْ

حينَ خبأتْ وجههاَ الرُمانيْ بيديهاَ وهيَ تحكيْ : كفاكَ غزلاً أمامك ماشئتَ من الأيام لترانيْ بألوانِها

يبادُلهاَ بنظرةٍ حانيِةَ : أراكِِ فصولَ سنةٍ ربيعيةَ ، تبيعُ فراشاتَ الحنينِ حُمرةَ الشفقْ


 

تسللتْ ببطءِ الساعاَتْ ناحيةَ شُرفةٍ شمالِيةَ امتلأت فُسحتهاَ بالضياءْ ، تجرُ معهاَ أكواما من الظلالْ

أمالت رأسهاَ إلى وردةٍ ترقدُ في قنينةِ ماءْ ، زحفتْ حولهاَ الآفُ الذكرياتْ ، وبجانِبها كرسيٌ مُلغمٌ بالراحةَ

ارتمت بجسدهاَ المنُهكَ وراحتْ تسندُ رأسهاَ إلى الوراءْ ، تنظرُ بحزنِ في الأرجاءْ وكأنَ الأمر أصبح عادةً لديها

حاولتْ الابتعَادَ أكثر ، فأجادتْ فنَ الاختباءْ

تمنتّ لو أن أحداً قراهاَ أكثر في ذاكَ اليومْ بدلاً عنهْ ، فلاَ تعيشُ سجينةً طوالَ هذه المدةَ على ذنبٍ لم تقترفةْ


 


 

تحتَ شجرةِ قيقَبْ ألتقتهُ للمرةِ الألف ، لكنَ هذا اللقَاءْ أختلف بشدةَ

لمحتْ في عيناهُ منظرَ الغروبْ ، وكأنَ بحرٌ قدْ امتدَ جزرهْ

بصمت المسَاء همستْ إليه : أرىَ حشدٌ من صفرةِ الرحيلِ تخيمُ حولكْ ..!

امتلأتْ المحاجرِ بالصمتْ كجمرٍ سحقتهُ المياه ، ألتفتْ يديهاَ بهدوءٍ واحتضنتهْ

أبعدها قليلاً وتحولتْ نظرتهُ كَفطيرةٍ سامةَ

تخضخضتْ مشَاعرهاَ بينَ شحوبٍ وانهيار ، أمسكَ بيدهاَ ، همسَ إليها : ستنتظرينني ؟!ّ

كانتْ الإجابات سيلاً من علاماتِ الاستفهامْ ، طالَ السُكوتْ حدَ البكاءْ قالت : لمَ أنتْ ، ولم أنا؟!

أجابها : أحبكِ كماَ لم يحُبُ أحدا من ذي قبلْ ، ولكنَ ظروفيّ تجبرنَيْ ، سأكملُ دراستّيْ وسأحصُدْ الدكتُوراهْ ، وسأعودُ إليك

أعدكِ بذلكْ

تلعثمَ الحرفُ بشفاههاَ وكأنَ شيئاً يجبرهاَ بأن تقولَ كلاَ ، كنْ معيْ ، كنّ بجانبيْ

استرسلَ بالحديثْ : تعلمينَ إني لا أطيق البعدَ عنكِ ، أنت هوائيْ ، وجنتيّ ، أنت عشقيْ ، وأمليّ

وأن غادرتْ فلنَ يمنعَ أن احبكِ يوماً تلو الأخر

بينَ لحظةٍ ورفيقتهاَ ، انهمرتْ مدامعُهاَ كشلالٍ منْ المياةْ ، احتضنتْ يديةْ ، وغصةُ منْ النيرانْ تعلقتْ بوسطِ أضلاعها

صممتْ على بقائهِ ، ولكنَهُ كانَ قد أنهى حجوزاتِ الرحيلْ ، وأعطي تأشيرةَ المغادرةْ

تَأبطت النَوارسُ يد السَماءْ وتأهبتْ لتُلوحَ بالوداعْ وأمطرت السمَاءُ عشقاً دامياً لا شيء يوقفهْ

غادرَ وهيَ على أمل أن يعُودَ إليها ، يحملُ بينَ يديةِ أكواما من الأمان ليكسيِهاَ بهِ

عادتْ وهيّ تجرُ معهاَ أطنانا من نرجسِيةِ الغيابْ وانكسارِ المساءْ ورعشاتٍ عائمةَ كطيفٍ ضالْ


 


 

في تلكَ الشرفةَ كانتْ تحيكُ مساءتُها في فضاءٍ كئيبْ ، يشغلُ مساحةً اصغرُ من مسَاحاتِ الذكرياتْ وهيّ تُزاحمُ الوقتْ

وتعدُ ثوانيّ الساعاتْ وماتكادُ تكمل حتىَ تبدأ من جديدْ ، وكأنَ الساعاتَ تحولتْ لأبراجٍ عاليةٍ تحتاجُ مهارةً وتفننْ

تهمس ، تبكي ، تُحاكيْ الغيمْ ، ويقفُ في حنجرةِ الصمتْ سؤالٌ وحيدْ : أينَ أنتْ منيّ ؟

هناك تعليق واحد:

  1. سيدتـي ..
    اخبريني من اين ابدأبالاندهاش
    سيدتي ..
    جرفتني كلماتك للبعيد
    ماهذا الذي يختلج في قلبك غاليتي
    ماهذا الحنين في تلك الكلمات
    انحني لك اجلالا
    فوالله حروفك تغلغلت فؤادي
    وساغلق عليها اوردتي حتى تابى الخروج
    دمت بكل خير
    سأكون هنــــــــآ بجانبك دومــآ

    ردحذف

"مَايلفِظُ من قَولٍ إلا لديِه رقيِبٌ عتيِدْ "